إبداعات مِلحية

((المصور الفوتوغرافي: موراي فريدريكس))...
قد تكون بحيرة آيري المكان الأكثر كآبة وانعداماً للملامح الجغرافية على وجه البسيطة. وهي عبارة عن حوض ملح قاحل في أستراليا، ولا يحد ضخامة مساحتها البالغة 9,500 كيلومترأ مربع سوى الآفق. ومع ذلك فقد تَرددتُ عليها 16 مرة في ثماني سنوات حتى الآن. قد يتساءل بعضكم: لماذا؟

والجواب: لكي أُنجز من الفضاء اللامتناهي سلسلة من الصور الفوتوغرافية.


وأجدني دائم الإنجذاب إلى مشاريع التصوير التي يتطلب إنجازها سنوات في مواقع بالمناطق النائية، مثل سلسلة الصور التي التقطتها في باتاغونيا، وتسمانيا، والهيمالايا. فبعد هذه المهام، التحقت مجدداً بمدرسة الفنون الجميلة ودرستُ تاريخ ولغة الفوتوغرافيا والفن. وهنا بالضبط، قررت أن "أفرغ" صور المناظر الطبيعية من محتواها وأُلبسها حلة تميل إلى التجريد؛ فكانت بحيرة آيري أفضل "قماش كانفا" بالنسبة لي.
ففي كل شتاء كنت أركب دراجتي الهوائية باتجاه قلب البحيرة المجففة، وأخيم هناك لمدة خمسة أسابيع، وأعمل كل يوم تحت أشعة الشمس الحارقة، والرياح اللافحة، والبرد القارس. وعلى نحو ما، لم أكن أشعر قط بالوحدة هناك، ولم أحس بها حقاً إلا عندما عدت إلى الحضارة، وجلست في حانة هادئة.
جميع الفنانين يفسرون العالم من منظورهم الخاص عبر أعمالهم، وسلسلة الصور هذه هي محاولة مني لتجسيد قوة المشاهد التي يمكن أن تولد من رحم الأماكن المقفرة والموحشة.

تم التقاط هذا المشهد المنقسم بدقة تامة على خط الأفق، بعد نصف ساعة من غروب الشمس. وكما يبدو المشهد هنا من خلال كاميرتي الفوتوغرافية، ذات المنظور الكامل (View Camera)، يندمج ضوء الصحراء الجلي بشكل كلي في انعكاسه على جزء ضئيل من مياه الأمطار المالحة.
يمثل الخط الأسود حافة البحيرة، الواقعة على بعد كيلومترات من المكان الذي كنت أقف فيه. وفي مكان لا تضاريس فيه كهذا، فقد كنت على بيّنة من التفاوتات في تدريجات اللون. وفي هذه الصورة، التي التقطتها مباشرة بعد الغسق، ركزت كل اهتمامي على تحول اللون البرتقالي بشكل سلس إلى الأزرق الغامق.