بيل وسيباستيان والوعيد القادم

ليس فقط المسلسلات الكرتونية القديمة، هي التي تثير في نفوسنا الشجن وترسم الابتسامات على أطراف شفاهنا بل إن للأغاني الخاصة بتلك المسلسلات حنين خاص جدا، لا يدركه إلا من عاش تلك المرحلة من العمر. وليس فقط عاشها، بل استمر بالتودد ولو سرا، إلى القنوات الخاصة بالأطفال، عله يلمح حلقة من توم وجيري أو الكابتن ماجد أو سالي أو ريمي أو بيل وسيباستيان أو زينة ونحول حتى!

إم بي سي أطفال قبل ثلاثة أيام بلاني الله بلوة لا يعلمها إلا هو! إذ فتحت بالخطأ على قناة MBC 3 الخاصة بالأطفال، وكانت فترة الأعمال الكرتونية. وإذ بي وجها لوجه أمام حرب من الصراخ والألوان الصارخة والكلام غير المفهوم أبدا. جلست فاغرة فاهي أمام حجم العويل والنشاز الصوتي الذي لا يمكن التفريق من خلاله، بين الشخصيات! فالكل يصرخ ويهدد وينذر الكل بالقتل والدمار والتحطيم.

كمية هائلة من الحقد والكراهية والعنف، يتم تمريرها عبر تلك الأعمال، والتي اكتشفت أنها موضة هذه الأيام، بعدما تعمدت مراقبتها ليوم آخر بعدها في قنوات مختلفة، مثل التلفزيون الأردني، والفضائية السعودية، ومحطة خاصة عراقية نسيت اسمها! المهم، طائرات غريبة الشكل يقودها أشخاص غريبو الشكل أيضا، ويتحدثون بكلمات قصيرة وجمل متقاطعة، لا يفهم منها شيئا بالنسبة لي أنا التي تابعت الأعمال من منتصفها! وبالطبع كميات مهولة من صور التنديد والوعيد القادم.

حتى الأغنيات الخاصة بتلك الأعمال المخيفة المرعبة، مرعبة هي الأخرى بموسيقاها الغرائبية، وكلماتها المشحونة بالشر! يا للأسف، حتى الأطفال لم يسلموا من هذا العنف المنتشر بين الأصقاع والطرقات، فيملأ ضفاف أحلامهم الصغيرة، ليحولها إلى كابوس يبتلع براءتهم وطهرهم. نحن جيل محظوظ جدا بالسندباد البحري، وافتح يا سمسم والفتى ياقوت وقصص الشعوب.

تذكرون قصص الشعوب وأولى أغنيات الفنانة أصالة؟ 'من كل بلاد الدنيا... من كل بقاع الأرض... قصص شتى... تروى حتى... نعرف أحوال الانسان'! كنا نعرف أحوال الإنسان ونعرف كيف يكون انسانا بحق، حين يركع تحت أقدام أمه باكيا في 'النسر الأبيض'، أو يمد رغيفه الوحيد لقرد جائع كما فعل ريمي مع 'جوليكور'.

عرفنا أحوال الإنسان في برامج التعلم الخفيفة مثل سمسم والمناهل، التي تربينا على أناشيدها الناعمة القصيرة، الداعمة للأخلاق والمحبة والانتماء للوطن العربي من المحيط إلى الخليج. أنا شخصيا وكثيرا من الأحيان، حين تغلق في وجهي 'أحوال الإنسان' في القرن الحادي عشر، أعود بذاكرتي إلى القرن العشرين، وأدندن بصوت خفيض، ما غنته صديقتي الرائعة إلهام أحمد، في مسلسل سنان: "ما أحلى أن نعيش في خير وسلام، ما أحلى أن نكون بحب ووئام، لا شر يؤذينا، لا ظلم يؤذينا، والدنيا تبقى تبقى آمالا للجميع".